فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (60- 66):

{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)}
قوله عز وجل: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بنجاتهم من النار.
الثاني: بما فازوا به من الطاعة.
الثالث: بما ظفروا من الإدارة.
ويحتمل رابعاً: بما سلكوا فيه مفاز، الطاعات الشاقة، مأخوذ من مفازة السفر.
{لا يمسهم السُّوءُ} لبراءتهم منه. {ولا هم يحزنون} فيه وجهان:
أحدهما: لا يحزنون، بألا يخافوا سوء العذاب.
الثاني: لا يحزنون على ما فاتهم من ثواب الدنيا.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}
{وما قدروا الله حق قدرِه} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وما عظموه حق عظمته إذ عبدوا الأوثان من دونه، قاله الحسن.
الثاني: وما عظموه حق عظمته إذ دعوا إلى عبادة غيره، قاله السدي.
الثالث: ما وصفوه حق صفته، قاله قطرب.
{والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة} فيه وجهان:
أحدهما: أن قبضه استبدالها بغيرها لقوله {يوم تبدل الأرض} [إبراهيم: 48] وهو محتمل.
الثاني: أي هي في مقدوره كالذي يقبض عليه القابض في قبضته.
{والسموات مطويات بيمينه} فيه وجهان:
أحدهما: بقوته لأن اليمين القوة.
الثاني: في ملكه كقوله {وماملكت أيمانكم} [النساء: 36].
ويحتمل طيها بيمينه وجهين:
أحدهما: طيها يوم القيامة. لقوله يوم نطوي السماء.
الثاني: أنها في قبضته مع بقاء الدنيا كالشيء المطوي لاستيلائه عليها.
{سبحانه وتعالى عما يشركون} روى صفوان بن سليم أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم إن الله أنزل عليك {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} فأين يكون الخلق؟ قال «يكونون في الظلمة عند الجسر حتى ينجي الله من يشاء.» قال: والذي أنزل التوراة على موسى ما على الأرض أحد يعلم هذا غيرى وغيرك.

.تفسير الآيات (68- 70):

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)}
قوله عز وجل: {ونفخ في الصُّور فصعق مَنْ في السموات ومن في الأرض} فيه وجهان:
أحدهما: أن الصعق الغَشي، حكاه ابن عيسى.
الثاني: وهو قول الجمهور أنه الموت وهذا عند النفخة الأولى.
{إلا من شاء الله} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام. وملك الموت يقبض أرواحهم بعد ذلك، قاله السدي ورواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: الشهداء، قاله سعيد بن جبير.
الثالث: هو الله الواحد القهار، قاله الحسن.
{ثم نفخ فيه أخرى} وهي النفخة الثانية للبعث.
{فإذا هم قيام ينظرون} قيل قيام على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به.
ويحتمل وجهاً آخر ينظرون ما يؤمرون به.
قوله عز وجل: {وأشرقتِ الأرض} إشراقها إضاءتها، يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت، وشَرَقت إذا طلعت.
وفي قوله {بِنُورِ رَبِّها} وجهان:
أحدهما: بعدله، قاله الحسن.
الثاني: بنوره وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه نور قدرته.
الثاني: نور خلقه لإشراق أرضه.
الثالث: أنه اليوم الذي يقضي فيه بين خلقه لأنه نهار لا ليل معه.
{ووضع الكتاب} فيه وجهان:
أحدهما: الحساب، قاله السدي.
الثاني: كتاب أعمالهم، قاله قتادة.
{وجيء بالنبين الشهداء} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم الشهداء الذين يشهدون على الأمم للأنبياء أنهم قد بلغوا، وأن الأمم قد كذبوا، قاله ابن عباس.
الثاني: أنهم الذين استشهدوا في طاعة الله، قاله السدي.
{وقضي بينهم بالحق} قال السدي بالعدل {وهم لا يظلمون} قال سعيد بن جبير لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.

.تفسير الآيات (71- 72):

{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)}
قوله عز وجل: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أفواجاً، قاله الحسن.
الثاني: أمماً، قاله الكلبي.
الثالث: جماعات، قاله السدي. قال الأخفش جماعات متفرقة، بعضها إثر بعض واحدها زمرة. قال خفاف بن ندبة:
كأن إخراجها في الصبح غادية ** من كل شائبةٍ في أنها زُمَر

الرابع: دفعاً وزجراً بصوت كصوت المزمار، ومن قولهم مزامير داود.

.تفسير الآيات (73- 74):

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)}
قوله عز وجل: {سلام عليكم طبتم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: طبتم بطاعة الله قاله مجاهد.
الثاني: طبتم بالعمل الصالح، قاله النقاش.
الثالث: ما حكاه مقاتل أن على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشرب المؤمنون من إحداهما فتطهر أجوافهم فذلك قوله {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان: 21] ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أبشارهم، فعندها يقول لهم خزنتها: {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} فإذا دخلوها قالوا {الحمد لله الذي صدقنا وعده}.
وفي معنى طبتم ثلاثة أوجه:
أحدها: نعمتم، قاله الضحاك.
الثاني: كرمتم، قاله ثعلب.
الثالث: زكوتم، قاله الفراء وابن عيسى.
{وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده} وعده في الدنيا بما نزل به القرآن، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه وعده بالجنة في الآخرة ثواباً على الإيمان.
الثاني: أنه وعده في الدنيا بظهور دينه على الأديان، وفي الآخرة بالجزاء على الإيمان. {وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاءُ} وفي هذه الأرض قولان:
أحدهما: أرض الجنة، قاله أبو العالية وأبو صالح وقتادة والسدي وأكثر المفسرين.
الثاني: أرض الدنيا. فإن قيل إنها أرض الجنة ففي تسميتها ميراثاً وجهان:
أحدهما: لأنها صارت إليهم في آخر الأمر كالميراث.
الثاني: لأنهم ورثوها من أهل النار، وتكون هذه الأرض من جملة الجزاء والثواب، والجنة في أرضها كالبلاد في أرض الدنيا لوقوع التشابه بينهما قضاء بالشاهد على الغائب.
{نتبوأ من الجنة حيث نشآء} يعني منازلهم التي جوزوا بها، لأنهم مصروفون عن إرادة غيرها.
وفي تأويل قوله {حيث نشاء} وجهان:
أحدهما: حيث نشاء من منزلة وعلو.
الثاني: حيث نشاء من منازل ومنازه، فإن قيل إنها أرض الدنيا فهي من النعم دون الجزاء.
ويحتمل تأويله وجهين:
أحدهما: أورثنا الأرض بجهادنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء بثوابنا.
الثاني: وأورثنا الأرض بطاعة أهلها لنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء بطاعتنا له لأنهم أطاعوا فأطيعوا.
{فنعم أجر العاملين} يحتمل وجهين:
أحدهما: فنعم أجر العاملين في الدنيا الجنة في الآخرة.
الثاني: فنعم أجر من أطاع أن يطاع.

.تفسير الآية رقم (75):

{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}
قوله عز وجل: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} قال قتادة: محدقين.
{يسبحون بحمد ربهم} وتسبيحهم تلذذ لا تعبد. وفي قوله.
{بحمد ربهم} وجهان:
أحدهما: بمعرفة ربهم، قاله الحسن.
الثاني: يذكرون بأمر ربهم، قاله مقاتل.
{وقضي بينهم بالحق} أي بالعدل وفيه قولان:
أحدهما: وقضي بينهم بعضهم لبعض.
الثاني: بين الرسل والأمم، قاله الكلبي.
{وقيل الحمد لله رب العالمين} وفي قائله قولان:
أحدهما: أنه من قول الملائكة، فعلى هذا يكون حمدهم لله على عدله في قضائه.
الثاني: أنه من قول المؤمنين.
فعلى هذا يحتمل حمدهم وجهين:
أحدهما: على أن نجاهم مما صار إليه أهل النار.
الثاني: على ما صاروا إليه من نعيم الجنة، فختم قضاؤه في الآخرة بالحمد كما افتتح خلق السموات والأرض بالحمد في قوله {الحمد لله الذي خلق السموات وَالأَرضَ} [الأنعام: 1] فتلزم الاقتداء به والأخذ بهديه في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمه بحمده وبالله التوفيق.

.سورة غافر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)}
قوله عز وجل: {حم} فيه خمسة أوجه:
أحدهما: أنه اسم من أسماء الله أقسم به، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
الثالث: أنها حروف مقطعة من اسم الله الذي هو الرحمن، قاله سعيد بن جبير وقال: الر وحم ون هو الرحمن.
الرابع: هو محمد صلى الله عليه وسلم، قاله جعفر بن محمد.
الخامس: فواتح السور، قاله مجاهد قال شريح بن أوفى العبسي:
يذكرني حاميم والرمح شاجر ** فهلا تلا حاميم قبل التقدم

ويحتمل سادساً: أن يكون معناه حُم أمر الله أي قرب، قال الشاعر:
قد حُمّ يومي فسر قوم ** قومٌ بهم غفلة ونوم

ومنه سميت الحمى لأنها تقرب منه المنية.
فعلى هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه يريد به قرب قيام الساعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت في آخرها ألفاً»
الثاني: أنه يريد به قرب نصره لأوليائه وانتقامة من أعدائه يوم بدر.
قوله عز وجل: {غافر الذنب} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه غافره لمن استغفره، قاله النقاش.
الثاني: ساتره على من يشاء، قاله سهل بن عبد الله.
{وقابل التوب} يجوز أن يكون جمع توبة، ويجوز أن يكون مصدراً من تاب يتوب توباً، وقبوله للتوبة إسقاط الذنب بها مع إيجاب الثواب عليها.
قوله عز وجل: {ذي الطول} فيه ستة تأويلات:
أحدها: ذي النعم، قاله ابن عباس.
الثاني: ذي القدرة، قاله ابن زيد.
الثالث: ذي الغنى والسعة، قاله مجاهد.
الرابع: ذي الخير، قاله زيد بن الأصم.
الخامس: ذي المن، قاله عكرمة.
السادس: ذي التفضيل، قاله محمد بن كعب.
والفرق بين المن والفضل أن المن عفو عن ذنب، والفضل إحسان غير مستحق والطول مأخوذ من الطول كأنه إنعامه على غيره وقيل لأنه طالت مدة إنعامه.